مفتاح "أسيكل" والانتصار للعواطف النبيلة - رشفات سينمائية

الخميس، 31 مارس 2016

مفتاح "أسيكل" والانتصار للعواطف النبيلة

بقلم: مسعون بوكرن

 أسيكل (ASSIGGL)
فيلم طويل ناطق بالأمازيغية
المخرج: عبد العزيز أوالسايح
فكرة وسيناريو: محمد تسكمين 
حوار: محمد الحنفي
إنتاج: Ayouz Vision 2015

حائز على الجائزة الكبرى وجائزة أحسن ممثلة في الدورة التاسعة للمهرجان الدولي للفيلم الأمازيغي "إسني ن وورغ" بأكادير 2015


    دخلت كلمة "المفتاح" قاموس الحياة منذ أن كان حدا فاصلا بين شيئين، واتسعت معانيه لتستوعب كل جوانب المعاملات، فرمزية المفتاح تحيلنا على حدود مادية ومعنوية (مفتاح الصندوق – مفتاح الخير – مفتاح السعد) ، وتجعل من أداة نحاسية أو حديدية مصدرا لدلالات تاريخية واجتماعية وثقافية، وتتجاوز أحيانا المجال الأسطوري. 
    وفي فيلم أسيكل لـعبد العزيز أوالسايح، يجمع المفتاح بين مجمل هذه المعاني، ليتحول إلى بناء درامي شخص مختلف الإنطباعات النفسية، وردود الأفعال التي تعد مصدر التوثرات الخارجية لأصحابها، متوقفا عند حالات الجشع .. والطمع .. والحب .. والنفاق الإجتماعي ... وغيرها من الحالات السلبية.  
   وتستوقفنا عملية التناغم الإستباقي بحثا عن المفتاح في صورة جماعية، باستثناء "أمغار" المتفرد بانتظاراته الغريبة، ففي الوقت الذي كان الجميع في سباق مع الزمن من أجل الظفر بالجائزة، كان "أمغار" ينتظر لحظة الفوز بزوجة ثانية، في إشارة إلى الجدلية السلطوية التي تتصارع رغابتها الحيوانية، (جدلية الحرية والعبودية)، في تصوير دقيق لانطباعاته التي تفكر بمنطق ذكوري، ذلك المنطق الذي لا يعرف الإحتمالات إطلاقا، فبمجرد أن رسخت في ذهن "أمغار" عملية تحديث فكرة الزواج، قابلها مباشرة بحتمية الوصول إلى المفتاح على يد فتاة جميلة تناسب حجم مخيلته، وكان من المؤسف أن ينطبع الرمز السلطوي بهذا النمط في التفكير، وهو ما يكاد علماء النفس يقرونه في محاولات الكشف عن فوارق العلاقة بين السلطة والسلطويين، وبين التفكيرين: الذكوري والسلطوي.
    ومع ذلك نجد السيناريست "محمد تسكمين" ينتصر في طرحه ومعركته المفتوحة على مصراعيها للحب، فالحب هو الوحيد الذي لم يخضع لمنطق المفتاح، وأن الدنيا بما فيها من مغريات جذابة تصبح ذليلة أمامه، وتخضع هي الآخرى لقانون الهوى ومصارع العشاق، في استحضار تام للعواطف النبيلة التي ستمنحنا الثقة الكاملة في النفس، وتحيلنا على مبدأ أساسي ملخص في وحدة التفكير عند ذوي النفوس المستقرة، والتي لا تستطيع أن تجمع بين الحب والطمع في وعاء واحد.


   لعب الديكور دورا مهما في تأثيت مشاهد الفيلم تأثيثا فنيا، وقد ساهم بشكل ملحوظ في تحويل مشاهد عادية إلى لوحات تشكيلية رائعة، بإمكانها أن تشد الفنان وغير الفنان، لما تحمل من ألوان متجانسة ومعبرة، وساعد المخرج كثيرا في توضيب تصوراته التي رسمها لهذا العمل، والتي لم تخرج كثيرا عن نمطه المعتاد في مجمل تناولاته، لأن لمسات أوالسايح الإخراجية تحمل نسقا تكاد تتفق عليه كل أعماله، ومن النادر أن تجدها في أعمال أخرى، وكأنها بصمة انفرد بها رغم وجود تقارب واضح بين الأشكال والأنماط الأمازيغية، هذا فضلا عن تجانس لغة الفيلم الحوارية، والتي كان وراءها أحد رواد الحرف الأمازيغي (الفنان محمد الحنفي) فهي الأخرى ساهمت في تماسك البناء العام للعمل، لما تتميز به من سلاسة وعذوبة، ولما تحمل من معاني ودلالات تذكرنا بأسلوب شيخ الشاشة الأمازيغية الفنان "الحسين برداوز" حيث لم تختلف عن نمطه في الكتابة كثيرا، بل من لم ينتبه لاسم كاتب السيناريو في جينيريك البداية من الصعب أن يراهن على غيره.
   صحيح أن الفنان مبارك العطاش لم يغير شخصيته المألوفة طيلة سنواته الأخيرة، إلا أن باقي أفراد عائلة "أسيكل" حاولوا تقديم شخصيات مغايرة لما سبق وأن قدموه، وإن كان منهم من بالغ في ذلك لدرجة التكلف كما هو الشأن بالنسبة للفنان "أحمد عوينتي"، ولا تزال لكنة الفنانة "خديجة سكرين" متأثرة باللسان الدارجي، في حين ظهرت كفاءة مشاهير الشاشة الأمازيغية حسب التوزيع الإخراجي للعمل، كما ظهرت الفنانة "خديجة أمزيان" (صاحبة اللقب) في ثوب جديد وهادئ منسجم مع طبيعة الدور المنوط بها، وهي تجعلنا نساير معها أحداث الألم الذي تحترق به طيلة أحداث الفيلم، وذلك من جراء البعد الروحي الذي تعيشه، رغم القرب الجسدي، وكانت خلاف بقية ساكنة المنطقة تتنظر اللحظة التي ستكفر فيها الدنيا عن كل خطاياها معها حين أبعدتها عن روحها الذي تتنفس من أجله، وتجمعَ بينهما بعيدا عن طمع الطامعين، وإن كانت تَحْمدُ للمفتاح موقفه الذي جعل الناس ينشغلون عنها وعن لقاءاتها البريئة بحبيبها. 



   وسع المخرج عبد العزيز أوالسايح مساحة توظيفاته لأهل الذمة خلاف أعماله السابقة، وأقام لذلك قواعد مستواحاة من البيئة الأمازيغية التي عايشت اليهود بشكل طبيعي يحمل كل معاني التحضر والإنسانية، الأمر الذي لم يحض بنصيبه الأوفر في الأعمال السينمائية الأمازيغية، ورسم لهذا التعايش خطوطا رفيعة وبالغة الدقة حين جعل كل يهودِي المنطقة ينخرطون في عملية البحث عن المفتاح، وكان من ذكاء المخرج أن تخلص من عقدة الأنا، ونبذ الآخر حين تجنب فكرة تدجين صورة أتباع موسى عليه السلام، المشهورة في التاريخ بالطمع والجشع، فجعل الناس سواسية أمام واقع دنياهم، وهم يجْرون خلفها، ولا فرق في ذلك بين مسلم أو يهودي أو رجل أو امرأة أو صغير أو كبير.
   وإذا كانت في العمل بعض الهِنَات التي لا تنقص من قيمته الفنية، ولم تثقل كاهل فريق العمل فنانين وتقنيين، فهي في مجملها تضم متابعة المفتاح الذي يختفي أحيانا بشكل غير مبرر، ونهاية الفيلم التي حوَّلها "أمغار" (الفنان الكبير عبد اللطيف عاطيف) إلى مشهد لم يشجع المشاهد كثيرا للتعاطف معه، حيث تمت الأجواء النهائية ببيته في حالة تَضَمُّر من نواحي متعددة، ووزعت عواطف المشاهد عبر عدة محطات بشكل غير متساوي، إضافة إلى بعض المشاهد الفكاهية التي لم تبرر وجودها داخل السياق، وكذا فقيه الدوار (الفنان علي شوهاد) الذي رفض أن تُقَسِّم تلميذته الصغيرة آية قرآنية إلى شطرين، فقّسَّم هو آية واحدة إلى خمسة أشطر في مشهد آخر.

   وعلى العموم فإن فيلم "أسيكل" من الأعمال السينمائية الجيدة التي أنتجتها شركة أيوز فيزيون ومجموعة تيفاوين، به من المميزات السينمائية، والدلالات الأمازيغية والفنية واللغوية ما أهله لنيل الجائزة الكبرى وجائزة أحسن ممثلة في النسخة التاسعة للمهرجان الدولي للفيلم الأمازيغي إسني ن وورغ بأكادير سنة 2015.

0 التعليقات :

إرسال تعليق