ديسمبر 2015 - رشفات سينمائية

السبت، 26 ديسمبر 2015

"الأثر" وشم الروح على جبين الأرض

بقلم: مسعود بوكرن


             الأثر  La Trace
فيلم قصير
إخراج: إسماعيل لعوج
سيناريو: عبد الله المناني

تشخيص:
السعدية اشتوتل
همراس صابر
عزيز الدهيوير
إنتاج: HALA PRODUCTION 2015

حظي بتنويه لجنة التحكيم بالمهرجان الدولي للفيلم الأمازيغي "اسني وورغ" أكادير المغرب 2015
شهادة تقديرية على العطاء الفني في مجال الإخراج والاهتمام بالثقافة الأمازيغية بالنادي السينمائي لسيدي قاسم 2015

***********************************


    اختارت "تانيرت" وزوجها "إدير" رمال الصحراء المطلة على البحر فضاء للعودة بالذاكرة والجسد إلى منبت الأجداد، وأقرَّا التشبث بالموروث الصحراوي الذي ينطق اللسان الأمازيغي بحروف صارخة.
    وتحت قساوة البيئة، وضراوة المناخ، وهدير الأمواج، وسكون الليل، ينبعث بين ثنايا الزوجين نور لا تدركه الأبصار، ولا يحل محل الظلمة إلا بداخل أحشائهما وهما يستمتعان بدفء الأرض، وشوق الاحتضان، وكأنهما المعنيان بقول القائل:
                 لا يعرف الشوق إلا من يكابده       ولا الصبابة إلا من يعانيها
    تُفاجِئنا الفتاة الجميلة "تانيرت"، ذات الوشم المغترب في وجه أمازيغي قح، بمولود قادم من إحدى الظلمات الثلاث، والتي صاغها المخرج إسماعيل لعوج في قالب فني متميز حين جعل الجنين يستدفئ برمال الصحراء قبل وصوله، في صورة رمزية تحمل أكثر من دلالة، كما تحملها تلك الشجيرات الشوكية المنبثة هنا وهناك وهي تصارع مناخ الصحراء، والتي تصلنا بالوحشة أكثر ما تصلنا بدلالات القسوة المفروضة على الإنسان من قبل الطبيعة. كما لم يأت اتصال البطلين بالأرض من قبيل المواربة، بل حددته كلمات البطل وهو يزف لنفسه خبر قدوم ولي العهد قائلا: "كما تركنا أسلافنا على هذه الأرض، أصبح لزاما علينا أن نترك خَلَفا عليها"، وهو الخبر الذي أسس عليه السيناريست الموهوب عبد الله المناني فكرت عمله المحورية، والتي كشف عنها المخرج بحرفية موفقة في أكثر من مشهد.            
    نبرات الموسيقى الصحراوية الهادئة المرافقة للأحداث منذ البداية كانت تنبئ بوجود عنصر ثالث مرتبط بالأرض، وقد أدت هذه النبرات وظيفتها بجرعات كافية حين جعلت المشاهد هو الآخر مرتبطا بالمكان الجغرافي المحدد للقصة، غير أنها لم تخبرنا عن حالة الفراق غير المتوقعة للحبيبين، المحطة الثانية للزوجة على أرض أجدادها، والتي انتقل فيها موضوع الحدث من نشوة اللقاء إلى ألم الفراق والترقب، في الوقت الذي حافظت الموسيقى على نبراتها الأولى دون أن تعيش مع المشاهد مرحلة الغربة.
    خرج المولود إلى الوجود من أجل أن يقاسم أمه ألم الغربة، وظهر لأول مرة شابا في مقتبل العمر يحمل أثر والده " إدير"، وقد ترعرع في حضن الأم والطبيعة، وهو ينطق بكلمات حسانية تصله بحلم أبيه المختطف من قِبَل صعاليك ما يسمى بالبوليساريو، هذا الحلم الذي ظل يراود فكر الأم التي حالفها الحظ في جعل ابنها الوحيد أمازيغيا على أرض صحراوية دون أي تأثيرات بيئية، لتحطم بذلك قاعدة "من عاشر قوما أربعين يوما صار منهم".

     في إحدى جولات " إدير الإبن"، وهو على صهوة جواده، مر بالمكان الذي تم فيه اختطاف والده، حينها توقف الجواد دون إذن صاحبه، لينبهه بوجود أثر آخر غير الذي احتفظت به الأم، أو الذي تحتفظ به قسماته، فنزل من على جواده، وتأمل المكان .. فعثر على خنجر والده في صورة يلفها بعض الغموض، ومع ذلك فالعملية تربط خيوط الأثرين من زاوية الوجود، وتجعل الأم تعيد نسج الآثار من جديد، بما في ذلك ملامح الابن المشكِّلة لآثار الأب المفقود.
    وجود الفرس في الصحراء، واختطاف صعاليك الصحراء لـ"إدير" وهم يمتطون فرسانا، متجهين به نحو تندوف، وارتباط فرس "إدير" بالحدث زمكانا، كل ذلك تحفه مخاطر تاريخية، أقلها شأنا حضور الفرس في عملية الاختطاف وهو متصل بأحد عناصر الجبهة المزعومة، مما يدل على أن صعاليك ما يسمى بالبوليساريو أحسن حالا مما عليه بقية الشعب المضطهد.
    ومن زاوية أخرى، كشف –في اعتقادي- هذا العمل المتميز الغطاءَ بأسلوب فني رائع عن علاقة الأمازيغي بالصحراء، وأن موطن الأجداد يجري في شرايينه كما عبرت "تانيرت"، وهو ما تحكيه الآن كل بقعة من بقاعها الفسيحة المفتوحة على آثار تاريخية تربط الماضي بالحاضر، ولعل هذا ما يشفع للمخرج حين توظيفه للفرس والغابة بدلالتهما المعروفة، وكأنه يريد أن يفتح لنا باب الأمل من جديد، كما فتحته لنا شموعه المستنيرة على شكل مثلث مفتوح على أمل ينبعث من بين حبات الرمال نحو أمواج لا حدود لأعماقها، وهو ما تؤكده اللقطة النهائية للأم الأمازيغية وهي تمدد صلاحية أملها في انتظار الزوج الحاضر الغائب.

"هم الكلاب" رحلة التشرد داخل الذات

بقلم: مسعود بوكرن

"هم الكلاب" 
سيناريو وإخراج: هشام العسري
بطولة: حسن بديدا
إنتاج: عليان للإنتاج


    حاز على جائزة أفضل ممثل وجائزة لجنة التحكيم بمهرجان دبي السينمائي، وجائزة لجنة التحكيم للممثل بمهرجان الأقصر للسينما الافريقية، وجائزة النقاد وجائزة أفضل ممثل في كل من مهرجان طنجة ومهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف، وجائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان السينما الافريقية بقرطبة، ومهرجان السينما بزاكورة، وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان الجزائر للسينما المغاربية، إضافة إلى تنويه خاص من قبل لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بالمهرجان اللاتيني الأميركي للفيلم العربي بالأرجنتين.



    "هم الكلاب"، قفزة نوعية وجديدة في السينما المغربية التي ظلت لسنوات عديدة حبيسة نفسها، تأخذ من المشاهد أكثر مما تعطيه.
    ضالة الفنان إيجاده لنفسه، ووجود الفنان داخل كيانه وسط جرعة كافية من الحرية تعني الفن كل الفن، وفيلم "هم الكلاب" واحد من الأعمال التي وجدت نفسها فارتقت سلم التميز، وغيرت وجهة العمل السينمائي النمطي الغارق في التقليد، وكسرت حاجز التعابير الروتينية، وقدمت شكلا جيدا من الأشكال الفنية التي تحسب للَّون السينمائي المغربي، بواقعية معبرة، مازجة بين الرواية والتوثيق.
    في رحلة دامت أزيد من 80 دقيقة عاد بنا المخرج "هشام العسري" إلى الماضي الحاضر، حيث نستذكر الماضي بقوالب الحاضر، وكأننا نستمتع بحَدُّوثة تعانق تفاصيلُها زمكانا غير زمكانها، وتتجانس داحل أنساق مختلفة لحدث واحد، ذلك الحدث المشحون بلغة الإحتجاج، والتمرد على الأوضاع من خلال مصادفة خروج البطل من السجن للثورة الفبرايرية.
    بدأت الحكاية بأصوات متعالية بمختلف الشعارات، منددة بالأوضاع المتفاقمة، ومطالبة للتغيير، وكان الفريق الصحفي المكون من ثلاثة أفراد (العدد ناسب مخيلة السيناريست دون أن تكون له إشارة في العمل) والمكلَّف بتغطية الحدث لفائدة إحدى المنابر الإعلامية في موعد غير مسبوق، حيث صادف في ساحة الإحتجاج بإحدى شوارع "الدار بيضاء" شخصا تائها مجهول الهوية، فاختاره ليكون مادة الصفقة الصحفية غير المعلن عنها.
الرجل المجهول ذو اللون الأسمر الشاحب، والجسد النحيل المنهك، الذي أدى دوره الفنان الكبير "حسن بديدا" باحترافية كبيرة كان من ضحايا انتفاضة الجوع سنة 1984 والمعروفة أيضا بـ"انتفاضة الخبز"، حيث سجن مدة 27 سنة، أي من تاريخ  19/01/1984إلى 20/02/2011،  وهي المدة التي فقد فيها السجين كل شيء، ودفن فيها ماضيا مفصولا تماما عن الحاضر، بما في ذلك اسمه الذي نشأ معه وكبر في أحضانه، ليتضح أن الإسم في مثل هذه البقاع لم يعد لها معنى، ولا تحمل أي دلالة تربطها بصاحبه، فالرجل لا يعرف عن نفسه سوى أنه يُدعى "404" وهو ما كان ينادى به في غياهب السجن، والرقم نفسه له دلالة أخرى لارتباطه بعالم البرمجيات الإلكترونية، حيث يفاجئك الحاسوب برسالة عند حدوث أي خطأ تحمل نفس الرقم، وكأن بطل الفيلم عبارة عن رسالة بعثت خطأ إلى مكان آخر، والغريب في هذه الرسالة أن صاحبها لم يتذكر من محتوى حياته سوى اسم زوجته، وأنه كان زير نساء، وكأن غريزة حفظ النوع هو ما تبقى لديه من رصيد المفقودات، أو هو ما رافقه طيلة فترة الإعتقال ككيان حي يرزق لا معنى له في هذا الكون، ولعل بعض التفاصيل الأخرى التي يتذكرها صاحبنا بين الفينة والأخرى تثير أكثر من سؤال في هذا العمل، والتي تبدو كأنها من هفوات السيناريو، ولا علاقة لها بمحتوى الرسالة المفترضة، كما لا يبدو بعضها واضحا.
    اعتُقل "404" دون سبب، وقضى العمر سجينا دون هوية ولا إسم، وخرج إلى رحابة الكون دون وجهة ولا هدف، سوى أنه خرج من أجل أن يخرج، باحثا عن ماض مليء بالنزوات وتلبية الرغبات، مستنجدا بالحقيقة المرة التي تعتصر قلبه الصغير، ومتمسكا بلحظة يرى فيها الحسم لخطاياه، والمتمثلة في لحظة الاستعطاف وطلب الغفران ممن ظلمهم قبل أن يظلمه التاريخ، زوجته وأولاده، وفي سبيل تحقيق هذه الرغبة، ناضل معه الطاقم الإعلامي الذي تتبع كل مراحل خطواته من البداية إلى النهاية بواسطة كاميرا تنتقل من على أكتاف أفراد الطاقم الثلاث، وهم يتناوبون عليها حتى يتمكنوا من تسجيل جزئيات الحدث، ومن جهة المخرج، حتى يتمكن المشاهد من تتبع أدق تفاصيل الحكاية، حتى والكاميرا تنتقل من كتف إلى كتف.
وصل "404" إلى حبيبته وأم أولاده بعد عناء شديد، فمنحته شيئا مما لم يفارق ذاكرته، بل وذكرته بما تبقى منه عندما قدمت له شهادة وفاته، ليتأكد في النهاية بأن الحياة لها معان متعددة غير المألوفة، وأن وجوده كان مجرد جمجمة للكلاب في نسختها العربية، وأن المتحدثون عن القيم "هم الكلاب"، ولا فرق بينه وبين من يحمل نعشه على كتفه وفي قلبه حرقة ظُلم وقصفة زيتون، ثم يودع زوجته، ويودع ابنه أمام بيته بزغردة مجهولة المصدر، كرابط قوي بين الواقعين المريرين للماضي والحاضر، وعلى إيقاع هذه الزغردة في آخر الفيلم، والتي تصلنا بجدلية احتجاج أحد المحتجين في بدايته، تنتهي مسيرة البطل ومهمة الطاقم الصحفي، ثم تنتهي جولة التمرد. ومن الغريب في النهاية ربط حدث الحركة الفربرايرية بهيئة الإنصاف والمصالحة، في قالب يوحي بمرحلة التأسيس، إذ من المعلوم تاريخيا أن الهيئة تأسست سنة 2004 ، وخروج الحركة كان سنة 2011.    

    كل شيء في "هم الكلاب" غير مألوف، الحياة، الواقع، الرؤية، المعاني، الدلالات، التناول، وبأسلوب جديد بعيد عن التقليد والتراتب خاض المخرج تجربة حية لواقع مؤلم ذهب ضحيته مئات الأفراد دون سبب سوى الدفاع عن الحريات الفردية، وجرفتنا أطوار التجربة مع "404" إلى عالم فسيح كاد أن ينقلنا إلى واقعية "جان رنوار"، و"خالد يوسف"، ومن على شاكلتهما، فنحن أمام عمل فني مبني على خطة عمل واحدة، تُنَقلنا بين عناصر البحث، رغم إزعاجات الكاميرا التي لم تسترح طيلة أطوار الفيلم، حيث لم يترك أي مساحة لاستراحة العين، وأخذها قسطا من التأمل وتجديد الحياة. ولعل هذا ما أراد صاحب التجربة، وهو ما يعنيه بالذات حين فرض على المشاهد لغته الجديدة، وأسلوبه في توزيع الأحداث.

الجمعة، 25 ديسمبر 2015

فيلم "للا تاوعلات"



للا تاعلات


فيلم: للا تاعلات

 تأليف وإخراج: مسعود بوكرن

بطولة: آمنة أشاوي 

تشخيص:
 فاطمة بوشان - عبد اللطيف عاطيف - الحسين برداوز 
 خديجة أمزيان - مبارك الديب - الطيب بلوش - فاطمة السوسي
 ياسين الصبار - الطفلة: لطيفة أوبجا - حسناء إبا 


إنتاج:  GOULD PRO 2013





عاشت للا تاعلات (فاطمة بنت محمد الهلالية) في القرن الثاني عشر الهجري، ونالت شهرة واسعة حتى أصبحت مضرب المثل في الزهد والورع والتقوى
 يحكي الفيلم في قالب درامي قصة هذه الولية الصالحة التي انجبتها جبال هلالة التابعة لاقليم شتوكة ايت باها بـ"سوس"



لمشاهدة فيلم للا تاوعلات 
الجزء الأول


الجزء الثاني