يناير 2016 - رشفات سينمائية

الأحد، 24 يناير 2016

الحبيب رديد في مرقده، هل نام ليستريح من تعب العمل؟ أم نام ليستريح من تعب الحياة؟

بقلم: مسعود بوكرن



   ودعنا الفنان الحبيب رديد وداعه الثاني والأخير في ذكراه الأربعينية التي نظمها مسرح أونامير وجمعية تيفاوين بأكادير، ودَّعناه بعبارات أقل ما يمكن أن توصف به أنها تحز في النفس، وتعمق الجرح في جسد واقعنا الفني، ذلك الجسد الذي تحول إلى أشلاء ممزعة .. وإلى شهور بلا أسابيع، وكلمات بلا حروف، وجذوع بلا أغصان.
   بالأمس القريب حين كان الحبيب يمارس فنه لا أحد يعرفه، ولا أحد يريد أن يعرفه، بل كان كغيره من الفنانين مجرد صورة بلا عنوان، نراه من بعيد خلف الزجاج، ونمارس عليه أحد حقوقنا المباشرة كمشاهدين لدقائق معدودة، وبعد ذلك نمرغ وجوهنا في التراب، ثم نهديه ضغطة واحدة بآلة التحكم التي ستنقلنا إلى غيره حين ينتهي دوره .. فهذا هو قانون المشاهد عندنا، وتحت طائلته يتساوى الجميع، الأفراد والجماعات والمؤسسات والهيئات والجمعيات والمعنيون المباشرون بالمجال ... لذلك ليس من العيب في عرفنا أن نستمتع بما نشاهد دون أن نقدم ولو كلمة تقدير عابرة، كما لم يكن عيبا وصف المجال الفني كله بالرذالة والنذالة، سواء كان الفن مسرحا او غناء أو سينما أو..
   لقد أدهشنا ما جاء في كلمات الحفل التأبيني للحبيب، فمن خلالها تعَرفنا على رجل لم نكن نعرفه، ولولا صورته المرصعة بشعار الخلود الواقفة في صمت رهيب على المنصة لما خِلنا الحديث عنه، ولما اعتقدنا أن البكاء والنحيب، يعني شخص الحبيب، فكل الذين تحدثوا عن الرجل ممن عاشروه أجمعوا على مواقفه الجليلة فنيا، وكشفوا عن تواريخ فنية له لم تكن معروفة عند الجيل الجديد، بل أستطيع الجزم بأنها مجهولة تماما إلا عند من عاينها، فالمرحوم كان أحد رواد الخشبة منذ سبعينيات القرن الماضي، ومن مواليد 1958، وأحد الصادقين في حمل لواء الفن بالجنوب يوم كان الفن عيبا وعارا، ومن جملة ما وصفه به المتدخلون :
المناضل الكبير
الفنان الكبير
عملاق الفن الأمازيغي
الفنان الذي قل أن تجد له مثيل
الحبيب المحبوب عند الجميع
هرم المسرح الأمازيغي
الشخصية الفنية النادرة
 وغير ذلك من الأوصاف التي لم نسمع عنها قط في حياته، ولا حدثنا عنها أحد، ولم نصادف من تجرأ للكشف عنها، أو سلط الضوء عليها حتى يعرف صاحبُها من هو عند محبيه وعشاقه، فالرجل عاش حياة حافلة بالمنجزات دون علم أحد، وغادرنا في هدوء تام، تاركا وراءه أسئلة محيرة كالتي كان يطرحها –ربما- في حياته عن شخصه المجهول. 
   لم تكن قاعة التأبين ممتلئة عن آخرها كما يقال في وصف قاعات أخرى، لأن الحفل لم يكن سوى حفل تأبين فنان كبير غير مشهور، لدرجة أن بعض الحاضرين غادروا الحفل بعد المنتصف أو قبله بقليل، كما أن فقرات الحفل لم تكن مغرية بالشكل الذي يثير الغرائز، كما يحدث في بعض الحفلات التأبينية التي تتحول إلى سهرات كاملة الأوصاف. فالوضع مختلف، والمساحة لم تكن كافية لإخراج ما في الصدور.
كان جالسا إلى جانبي أحد الفنانين الذين يعرفون الحبيب عن قرب، فسألته: هل تم تكريم المرحوم في حياته يوما ما؟، فأجابني بالنفي، وقال: لو كان الفنان يُكرم في حياته كما ينبغي، لما آل مصير الفن إلى ما آل إليه الآن، وتساءلتُ في استغراب، كيف لم يحظ هذا الشخص الذي يحمل كل هذه الصفات العظيمة بمجرد تكريم في حياته، خاصة وأنه –كما جاء على لسان عارفيه- زاوج بصفاته وأخلاقه الحميدة، بين حياتين حافلتين بالعطاء، فهو حبيب عند أصدقائه في المجال الفني، وعند زملائه في العمل، وعند عائلته الصغيرة والكبيرة.  
   إننا -وللأسف الشديد- لا نملك الجرأة الكافية للحديث عن الأحياء بما يليق بمقامهم، وإذا حدث هذا فإنما يحدث بخجل وعلى استحياء، أو لحاجات في نفس يعقوب، ومن أراد دخول عالم الشهرة فليمت، ولا داعي أن نتعب أنفسنا في عمليات البحث والتنقيب في مسار الفنان ما دام حيا، يكفي أن نصبر حتى ينتقل إلى العالم الآخر لنقول فيه ما نشاء بكل حرية، لأن ذلك بكل بساطة لا يفيده في شيء، ما دام تحقيق ذلك صعب المنال في الحياة قبل الممات، فالفنان تسبقه شهرته إلى قبره، وهو أحق بها هناك، أما هنا في العالم السفلي لا مجال للمجازفة، فالكل يجري خلفها دون إذن مسبق، لأنه من الصعب علينا أن نستـضـيئ بشمعة الفنان، وفي نفس الوقت نمنع الشمعة من الاحتراق، كما يبدو أنه من الصعب كذلك الاحتفاء بالشموع حال احتراقها.
   إن المعني بالحفل - وبعيدا عما قيل على المنصة - هو ذلك الفنان الذي أعطى دون أن يأخذ، وكشف لنا عن مواهبه دون أن نكشف له عن نوايانا، وقدم للفن الامازيغي صمتا وعبقا وتضحيات، وجاء من أجل ان يذهب، لا من أجل البقاء، لذلك لم يكترث بما حوله من الألقاب، واكتفى من الغنيمة بالإياب، ومسح غبار الأيام من على يديه، وودعنا دون استئذان، فماذا نحن فاعلون ؟
هل نعيد مشاهدة أعمال المرحوم لاكتشاف ما لم نكتشفه من قبل؟
هل نبكي واقعنا الفني كما تبكي الثكالى؟
هل نبدل نظارات أعيننا بنظارات أخرى أكثر وضوحا؟
هل نغير نظرة بعضنا للبعض حتى يتسنى لنا اكتشاف أنفسنا بأنفسنا؟
هل أريدَ للفن في بيئتنا أن يسير على هذا المنوال الأعرج؟
أم هل .. وهل.. وهل..؟
   إذا كان الفنان مجرد وسيلة للبحث عن الحقيقة، فما هي الوسيلة إذا للبحث عن الفنان؟، فحقيقة الفنان أصبحت غبارا متناثرا على صفحات بيضاء، والأدهى من ذلك أن الفنان كُتب عليه أن يبقى وضوحا غامضا، وسيرته الذاتية لا تبدأ إلا بعد وفاته، ونجوميته لا تظهر إلا في لحده، والأضواء لا تسلط عليه إلا وهو بين يدي ربه، والفرق أصبح واضحا بين من نام ليستريح من تعب العمل، وبين من نام ليستريح من تعب الحياة.

مصدر المقال: جريدة "نبض المجتمع" بتاريخ 24/01/2016 على الرابط التالي:

الخميس، 7 يناير 2016

موقع الامازيغية في الاعلام العمومي المغربي

 اضغط على هذه الصورة للذخول إلى صفحة المشاركة

7 أسئلة لتقييم حضور اللغة الأمازيغية في الإعلام المغربي 
إضغط على الصورة لولوج صفحة المشاركة 

الأحد، 3 يناير 2016

"صوت الصمت" رسوم بارزة لهمسات الروح

بقلم: مسعود بوكرن
 صوت الصمت
  la voix du silence

فيلم قصير الجزائر

إخراج: سليمان بوبكر

سيناريو: محمد ناصر الطيب

تشخيص: 
إيناس لوكاب
حمزة مشمش

إنتاج:
فاز بجائزة الفيلم القصير بالمهرجان الدولي للفيلم الأمازيغي "إسني ن وورغ" المغرب 2015.  



******************************

    عندما تكون العلاقات الإنسانية مبنية على الاحترام والتقدير، يرتفع مؤشر الدين في القلوب، ولا فرق بين عربي ولا أعجمي في الآدمية إلا بمقدار ما يملكه أحدهما على الآخر من حب وتوقير.و"صوت الصمت" للمخرج "سليمان بوبكر" ينقلنا إلى هذا العالم الفسيح المغترب بين بني البشر، عالم تسوده المودة، ويعلو محياه الاحترام، فمن خلال الممرضة المسيحية التي لا تفارق الابتسامة محياها، يجوب بنا الفيلم أرجاء الأخوة السمحة، ويرفع من معنويات الصمت الرهيب، ويحول همسات الحب الإنساني إلى صور فنية بالغة الروعة، معلنا عن أخوة كونية صامتة في واقعنا الأليم.

    لا تملك الفتاة المسيحية غير دراجة عادية تتنقل بها بين أزقة القرية، وحقيبة إسعاف صغيرة الحجم تتوسطها علامة حمراء، وابتسامتها الرقيقة التي تستقبل بها كل من تصادفه في طريقها، وهي لا تجد أي غضاضة في ارتداء زيها الديني الذي لم يمنعها من القيام بواجبها كممرضة، خاصة وأنها اختارت الذهاب عند المرضى وعيادتهم، بدل مجيئهم إليها.
    ولعل أبلغ صورة يلخص فيها "صوت الصمت" أدق معاني التسامح كما جاءت بها الكتب السماوية هي تلك التي يُصلح فيها الميكانيكي المسلم – بعد أن أدى صلاته في هدوء تام- دراجةَ الممرضة المسيحية، وهي تَشرب من جرة ماء جلدية وضعها الميكانيكي رهن إشارة العطشى من المارة، إيذانا منه بوجود معالم الحب الإنساني، والتكافل الآدمي، في كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبالتالي تبشرنا الممرضة التي تسبقها ابتسامتها في كل محطاتها بأن تعاليم السيد المسيح عليه السلام لم تكن لتخطئ هذا التقدير الأخلاقي ما دامت تتكلم لغة السماء، وما دام نور الكتابين يَصدُر من سراج واحد كما قال ملك الحبشة زمن الرسالة.

    من الطبيعي أن يَتَمَلَّــكَـكَ إحساس عادي وهادي وأنت ترحل مع الممرضة بين ثنايا الحب الذي تَمَلَّكَها، وهي تحاول بصدق إنسانيتها أن تحظى بنظرة كاملة العناصر من الميكانيكي المسلم، إلا أن هذا الأخير بادلها بما تَكَفَّلَ به ضميره، ومنحها من التقدير والإجلال ما جعله يتربع على عرش قلبها دون استئذان، وهو ما تعبر عنه اللمسة الفنية الأخيرة التي تدخل فيه الممرضة قلوب المشاهدين قبل دخولها البيت.  

    لا توجد في العمل مشاهد داخلية إذا استثنينا اللحظة التي يؤدي فيها الشاب المسلم صلاته، ولا مشاهد قلقة أو مجانية، وهو ما أدى إلى الاستغناء عن كثرة الديكورات، ما دامت هناك رموز فنية تجمع عناصر الفكرة، وتوحدها في قالبها الدرامي، مصحوبة بموسيقى خفيفة تصل الروح بالجسد، وتجعلك تحس بهمسات الروح الإنسانية في صمت هادئ.