"صوت الصمت" رسوم بارزة لهمسات الروح - رشفات سينمائية

الأحد، 3 يناير 2016

"صوت الصمت" رسوم بارزة لهمسات الروح

بقلم: مسعود بوكرن
 صوت الصمت
  la voix du silence

فيلم قصير الجزائر

إخراج: سليمان بوبكر

سيناريو: محمد ناصر الطيب

تشخيص: 
إيناس لوكاب
حمزة مشمش

إنتاج:
فاز بجائزة الفيلم القصير بالمهرجان الدولي للفيلم الأمازيغي "إسني ن وورغ" المغرب 2015.  



******************************

    عندما تكون العلاقات الإنسانية مبنية على الاحترام والتقدير، يرتفع مؤشر الدين في القلوب، ولا فرق بين عربي ولا أعجمي في الآدمية إلا بمقدار ما يملكه أحدهما على الآخر من حب وتوقير.و"صوت الصمت" للمخرج "سليمان بوبكر" ينقلنا إلى هذا العالم الفسيح المغترب بين بني البشر، عالم تسوده المودة، ويعلو محياه الاحترام، فمن خلال الممرضة المسيحية التي لا تفارق الابتسامة محياها، يجوب بنا الفيلم أرجاء الأخوة السمحة، ويرفع من معنويات الصمت الرهيب، ويحول همسات الحب الإنساني إلى صور فنية بالغة الروعة، معلنا عن أخوة كونية صامتة في واقعنا الأليم.

    لا تملك الفتاة المسيحية غير دراجة عادية تتنقل بها بين أزقة القرية، وحقيبة إسعاف صغيرة الحجم تتوسطها علامة حمراء، وابتسامتها الرقيقة التي تستقبل بها كل من تصادفه في طريقها، وهي لا تجد أي غضاضة في ارتداء زيها الديني الذي لم يمنعها من القيام بواجبها كممرضة، خاصة وأنها اختارت الذهاب عند المرضى وعيادتهم، بدل مجيئهم إليها.
    ولعل أبلغ صورة يلخص فيها "صوت الصمت" أدق معاني التسامح كما جاءت بها الكتب السماوية هي تلك التي يُصلح فيها الميكانيكي المسلم – بعد أن أدى صلاته في هدوء تام- دراجةَ الممرضة المسيحية، وهي تَشرب من جرة ماء جلدية وضعها الميكانيكي رهن إشارة العطشى من المارة، إيذانا منه بوجود معالم الحب الإنساني، والتكافل الآدمي، في كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبالتالي تبشرنا الممرضة التي تسبقها ابتسامتها في كل محطاتها بأن تعاليم السيد المسيح عليه السلام لم تكن لتخطئ هذا التقدير الأخلاقي ما دامت تتكلم لغة السماء، وما دام نور الكتابين يَصدُر من سراج واحد كما قال ملك الحبشة زمن الرسالة.

    من الطبيعي أن يَتَمَلَّــكَـكَ إحساس عادي وهادي وأنت ترحل مع الممرضة بين ثنايا الحب الذي تَمَلَّكَها، وهي تحاول بصدق إنسانيتها أن تحظى بنظرة كاملة العناصر من الميكانيكي المسلم، إلا أن هذا الأخير بادلها بما تَكَفَّلَ به ضميره، ومنحها من التقدير والإجلال ما جعله يتربع على عرش قلبها دون استئذان، وهو ما تعبر عنه اللمسة الفنية الأخيرة التي تدخل فيه الممرضة قلوب المشاهدين قبل دخولها البيت.  

    لا توجد في العمل مشاهد داخلية إذا استثنينا اللحظة التي يؤدي فيها الشاب المسلم صلاته، ولا مشاهد قلقة أو مجانية، وهو ما أدى إلى الاستغناء عن كثرة الديكورات، ما دامت هناك رموز فنية تجمع عناصر الفكرة، وتوحدها في قالبها الدرامي، مصحوبة بموسيقى خفيفة تصل الروح بالجسد، وتجعلك تحس بهمسات الروح الإنسانية في صمت هادئ.

0 التعليقات :

إرسال تعليق